سيرة ومسيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ..
سنوات التنشئة
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، هو الابن الثالث بين أربعة أبناء للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وهم إلى جانب سموه: الشيخ مكتوم والشيخ حمدان والشيخ أحمد.
وقد ترعرع صاحب السمو الشيخ محمد الذي ولد عام 1949 في كنف عائلة آل مكتوم، بمنزلها الكائن حينذاك في الشندغة، حيث أمضى طفولة سعيدة ومرحة هناك. وقد شغف به والداه وجده الشيخ سعيد آل مكتوم، حاكم دبي وقتها، وأحاطوه بكل عطف ورعاية. كما وجد صاحب السمو الشيخ محمد في اخوته وأولاد عمه رفاق طفولة له، إضافة إلى أولاد عائلات التجار الكبار وغيرهم من القبائل. وقد كان منذ نعومة أظافره رياضياً مفعماً بالحيوية والنشاط، مولعاً بممارسة الألعاب المختلفة مع الأولاد الآخرين، مثل لعبة الهول، المعروفة بـ" المطاردة والحجلة".
وقد أشاد أحد أصدقاء عائلة آل مكتوم، وهو حمد بن سوقات، بصاحب السمو الشيخ محمد شاباً مفعماً بالحيوية، بقوله: "إنه كان دائم الحركة، يمارس الألعاب ولديه روح الاستكشاف، وكان لديه أيضاً الفضول، إذ كان يحب أن يعرف ما يجري حوله". وعندما كان الشيخ سعيد يعقد مجلسه على المقاعد الخشبية عند مدخل منزلهم في الشندغة، كان يصحب حفيده صاحب السمو الشيخ محمد ويجلسه إلى جانبه، وعلى الرغم من أنها لم تكن جلسات رسمية، إلا أنها كانت بمثابة بيئة تعليمية جيدة.
ومنذ نشأته الأولى أخذ سموه يتدرب على ممارسة الرياضة، خصوصاً تلك الرياضة العربية المميزة؛ رياضة الصيد بالصقور التي وجد فيها سموه ما يعيده إلى جذوره العربية الأصيلة، منئيا بنفسه عن معطيات المدنية الحديثة وكل ما يمت لها بصلة، ليدنو من تلك الرياضات العربية الأصيلة التي أحبها.
وبالإضافة إلى هواية الصيد، قام والدهم الشيخ راشد منذ اللحظة التي أصبح أولاده فيها قادرين على الوقوف على أقدامهم بتعليمهم رياضة ركوب الخيل، وهذا ما جرى على صاحب السمو الشيخ محمد، إذ منذ صغره وضع مباشرة على سرج الحصان، وأصبح هو وأصدقاؤه المقربون يتمرنون على ذلك كل يوم.
لم يدخر الشيخ راشد جهداً في إعداد أولاده للقيادة، مولياً مسألة تعليمهم اهتماماً خاصاً، إذ بمجرد أن بلغ صاحب السموالشيخ محمد الرابعة من عمره، حتى كان والده يهيئ له من يشرف على تلقينه مبادئ اللغة العربية والدين الإسلامي، ليضيف له، ببلوغه السادسة من عمره، مادتي الإنجليزية والرياضيات.
وبحلول العام 1955، كان صاحب السمو الشيخ محمد قد بلغ السابعة، فألحقه أبوه بالمدرسة الأحمدية؛ وهي مدرسة ابتدائية صغيرة كانت موجودة بمنطقة ديرة، بهدف تلقيه التعليم الأساسي. فبدأ صاحب السمو الشيخ محمد يتفقه قواعد اللغتين العربية والإنجليزية وينهل من معين الجغرافيا والتاريخ والرياضيات، إذ ظهرت بوادر تفوقه على نظرائه جلية، وذلك بسبب تعليمه المبكر. وببلوغه العاشرة من عمره، انتقل صاحب السمو الشيخ محمد لمدرسة الشعب، ليلتحق سموه بعد سنتين من ذلك بمدرسة دبي الثانوية.
وفي التاسع من سبتمبر من عام 1958 توفي الشيخ سعيد؛ جد صاحب السمو الشيخ محمد، ليصبح الشيخ راشد حاكماً عاماً لإمارة دبي، الأمر الذي أوحى للشيخ راشد بضرورة ايلاء أبنائه اهتماماً خاصاً في تنشئتهم فمنذ بداية أكتوبر من العام نفسه، كثف الشيخ راشد من رعايته لهم ليشبوا صالحين مهيئين لتحمل المسؤوليات التي ستناط بهم في تسيير أمور حكومة دبي المستقبلية. ولأن الشيخ راشد تولى مهام تسيير أمور الحكم في دبي فعلياً، قبل استلامه رسمياً، فإنه كان في الخمسينيات مداوماً على الاجتماع في مجالسه بأصحاب الرأي والمشورة وأعيان البلد، من مفكرين وتجار وأصحاب بنوك ومقاولين. وكان يلاحظ في هذه المجالس ملازمة صاحب السمو الشيخ محمد لأبيه الدائمة، مما أسهم في تفتق ملكاته، وامتلاكه للتفكير المنطقي.
في الوقت نفسه، استطاع صاحب السمو الشيخ محمد اكمال دراسته الثانوية بتفوق ملحوظ، إذ اجتاز الامتحان المقرر في منهاج المدرسة خلال العام الدراسي 64/1965، ليزداد ايمان والده الشيخ راشد بأن مسيرة التطوير والتقدم في دبي مرهونة بشخص على شاكلة صاحب السمو الشيخ محمد، إذ كان يراه الأفضل والأكثر تمكناً في إدارة أمور الأمن في الإمارة الفتية.
وعليه، اختار الشيخ راشد لابنه الثالث، صاحب السمو الشيخ محمد المجال العسكري لاكمال دراسته، ولأن هذا الاختصاص كان يتطلب معرفة تامة وغير منقوصة باللغة الانجليزية، فإن صاحب السمو الشيخ محمد، يرافقه ابن عمه الشيخ محمد بن خليفة آل مكتوم، سافر في أغسطس العام 1966 إلى لندن، بغرض الالتحاق بمدرسة "بل" للغات في كامبريدج، التي كانت تعد حينذاك أفضل المدارس الأوروبية للغات.
وبسبب سمعتها العالمية، فإن مدرسة "بل" كانت تضم بين صفوفها طلاباً من جنسيات شتى، إذ كان هناك الصينيون واليابانيون، إضافة إلى عدد لا بأس به من الاسبان ومن جاؤوا من الأمريكتين "الشمالية والجنوبية"، ومن استراليا وأفريقيا. والحقيقة، أن هذه المدرسة كانت أشبه بالوعاء الذي تنصهر وتمتزج فيه الجنسيات والثقافات المختلفة، مما أسهم في تبلور فكر صاحب السمو الشيخ محمد، وغرفه من هذا المعين الغني، الذي أدى بدوره إلى تسهيل تحصيل سموه للمنهاج الأكاديمي من أدب وشعر ورياضة، مع اهتمام خاص لسموه برياضة التجديف.
وهذا البعد عن سحر الشرق، لم يزد صاحب السمو الشيخ محمد إلا توقاً وتشبثاً بالتقاليد العربية، وبالتالي أصبحت تشرئب عنقه لكل ما يمت بصلة لهذه التقاليد، فكان أن التقى سموه بشقيقه سمو الشيخ حمدان ليتابعا في الخامس من مايو العام 1967 أول سباق للخيول، سباق 2000 جينيز، الذي فاز به المهر "رويال بالاس"، ممتطياً صهوته الفارس جاري مور.
وبفضل أصدقاء والده العديدين في بريطانيا، تلقى صاحب السمو الشيخ محمد العديد من الدعوات للمشاركة في رحلات صيد ورماية، حيث تعلم الصيد. وما ان بلغ صاحب السمو الشيخ محمد العشرين من عمره، حتى كان على اطلاع وإلمام تامين بشتى فنون الأدب، والرياضات المختلفة، والأمور السياسية والعسكرية التي أدرك أهميتها بالنسبة له في المستقبل.
------------------------------------------------------------
محمد بن راشد قائداً
في السادس عشر من يناير 1968، أعلنت الحكومة البريطانية عزمها سحب قواتها من منطقة الخليج، منهية بذلك التزاماتها الأمنية في المنطقة. وبهذا الانسحاب تعين على القائمين على إمارة دبي ضمان مستقبل آمن ومستقر للإمارة، ليلعب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم دوراً بارزاً في ذلك.
وفي الثامن عشر من فبراير من العام 1968، تم عقد لقاء بين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبوظبي وأخيه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي آنذاك، في مكان ما بالصحراء للاتفاق على إقامة اتحاد بين الإمارتين. وحول هذا الاجتماع، كان لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي عاد لتوه آنذاك من بريطانيا ليرافق والده إلى الاجتماع، تصريح، قال فيه :"إن الاجتماع بـدأ بكلمات بسيطة أذكر منها "إذاً، يا راشد، ما رأيك؟ هل سنقيم الاتحاد؟" سأل المغفور له الشيخ زايد، ومن دون تردد رد الشيخ راشد شارعاً يده" أعطني يدك، زايد، لنعقد اتفاقاً وسوف تكون الرئيس".
وكان هذا الاتفاق نواة لإقامة اتحاد أوسع، ليستمر لسنوات عدة ويشمل صاحب السمو الشيخ محمد ووالده و اخوته. وحتى يتمكن سموه من القيام بدوره المستقبلي في الحكومة، كان لابد له من الإلمام بأمور عسكرية، وعليه التحق بكلية مونز العسكرية في منطقة الديرشوت، التي تبعد قرابة أربعين ميلاً عن العاصمة لندن في الجزء الجنوبي من المملكة المتحدة. وفي الشهور الموالية كان لا بد ان يتعرض سموه لأقسى أنواع التدريب، الذي تفرضه العسكرية البريطانية على الضباط. وفي المراحل المتأخرة من الدورة، التي دامت ستة شهور، تمت ترقية صاحب السمو الشيخ محمد إلى وكيل لسرية كوهيما، ليتم بعد ذلك منحه سيف الشرف لتفوقه على زملائه الضباط من الدول الغربية ودول الكومنولث.
وفي الأول من نوفمبر 1968، قام المغفور له الشيخ راشد بتعيين صاحب السمو الشيخ محمد رئيساً للشرطة والأمن العام، وهو أول منصب يتقلده سموه. وفي الثاني من ديسمبر 1971، عقد حكام إمارات كل من أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة وولي عهد أم القيوين ممثلاً لوالده، اجتماعاً في قصر شاطئ الجميرا في دبي، حيث قاموا بتوقيع أول دستور مؤقت لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الأيام الموالية ليوم التوقيع، قام المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رئيس الوزراء المعيّن وقتذاك بتعيين أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وزيراً للدفاع، ليصبح سموه آنذاك أصغر وزراء الدفاع في العالم سناً. كما قام الشيخ مكتوم بمنح صاحب السمو الشيخ محمد رتبة لواء.
وفي أقل من عام، بدأ دور سموه يحتم عليه التعامل مع قضايا شاملة، مثل الحرب العربية الإسرائيلية، ومحاولة الانقلاب العسكري في احدى دول الجوار، واختطاف طائرة وهي جاثمة في مطار دبي الدولي. في هذه الأثناء كان سموه يحاول إقامة قوة دفاع وطنية موحدة، وكانت أول مهمة عسكرية لقوة الدفاع الوطنية في عام 1976، حيث أرسل صاحب السمو الشيخ محمد قوات إلى لبنان للمشاركة في قوة الردع العربية، من أجل المحافظة على الأمن والسلام في تلك الدولة الشقيقة.
وقد اعتمد الشيخ راشد كثيراً على أبنائه في عملية تحويل دبي إلى مركز تجارة، إذ أنيطت بصاحب السمو الشيخ محمد مسؤوليات جمة، منها توليه الإشراف على مشاريع كبيرة، أهمها مشروع حوض دبي الجاف؛ اكبر مشروع في الشرق الأوسط. وفي 25 أغسطس 1977، شكل الشيخ راشد لجنة لإدارة مطار دبي الدولي، وعيّن صاحب السمو الشيخ محمد مسؤولاً عنها، فأصبح بذلك تطوير دبي كمركز سياحي وملاحي اكبر الإنجازات الملموسة التي تكفل بتحقيقها صاحب السمو الشيخ محمد، إذ تبنى سموه سياسة الفضاء المفتوح، وأخذ يعمل لوضع أسس الصناعة السياحية التي انبثقت في عام 1990.
خلال هذه الفترة، أوكلت إلى صاحب السمو الشيخ محمد مسؤولية "بترول دبي"، وتعد هذه المهمة إحدى أكثر المهام حيوية وأهمية في حكومة دبي، إذ إنها الرافد الأساسي لاقتصاد الإمارة. واستمد مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد طاقته وحيويته من مجلس والده الشيخ راشد، الذي وصف بأنه دائرة الفرسان العربية المستديرة (شبيه بمجلس الملك آرثر الذي كان تلتف حوله نخبة من الفرسان). ويقول رجل الأعمال، محمد النابودة: " إن الجو الذي يسود مجلس صاحب السمو الشيخ محمد يشجع على الإبداع ويتيح لكل إبداء رأيه، فسموه لا يحول بين الناس وبين أفكارهم. إن مثل هذا المناخ الذي يتسم بالانفتاح يحفز على الابتكار، وفي مجلسه، يحث صاحب السمو الشيخ محمد مجالسيه على إبداء آرائهم، ويستفز أذهانهم عبر الاستمطار الذهني للخروج بأفكار خلاّقة. إن المجلس يخرج أفضل القرارات وأفضل العقول ويصقل قدرات الجميع".
ومع حلول شهر مايو من عام 1981، أصيب الشيخ راشد بمرض أقعده عن تحمل مسؤولياته، فثقل عاتق صاحب السمو الشيخ محمد كباقي اشقائه بعبء مسؤوليات جديدة في انتظار شفاء والدهم. وما يسجل كذلك في هذه الفترة العصيبة في حياة آل مكتوم، هو تعاضد أفرادها بعضهم مع بعض، بفضل نضجهم وتبلور شخصياتهم، وذلك هو العزاء الأكبر الذي خفف من آلام الوهن لدى الشيخ راشد، الذي لم يأل جهداً خلال العقود الماضية في بذل الغالي والنفيس من أجل تنشئة أنجاله رجالاً يعتد بهم، أقوياء عند الشدائد، مبدعين لحظة الأزمات.
يقول أحد المقربين: "إن المغفور له الشيخ مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد وسمو الشيخ حمدان كانوا وقتها على اتصال تشاوري دائم ومستمر، فلا يستجد أمر إلا ويهم الثلاثة للتعاطي معه. لقد كانوا يتبادلون المعلومات ويتشاورون حول كل صغيرة وكبيرة، لينبثق في النهاية رأي أو قرار واحد ليس ملك أحدهم بمفرده، بل هو قرار الثلاثة جميعاً".
هذا التشارك في إدراك الأمور، والتعامل معها، وبالتالي الوحدة في اتخاذ القرار، لم يخص رؤيتهم للأحداث المحلية فحسب، بل انسحب على تعاملهم مع العالم الخارجي في فترات سلمه وأزماته. وذلك ما كان أثناء اجتياح لبنان، والحرب العراقية الإيرانية واندلاع الانتفاضة الفلسطينية في التاسع من سبتمبر 1987، إذ قام سموه بدعم حكومة دبي في مسيرتها نحو دعم الإخوة في تلك المناطق.
ولم يكتف سموه بهذا، بل ذهب بنفسه إلى شمالي لبنان على متن طائرة لالقاء المساعدات وجلب جرحى العدوان إلى الإمارات لتلقي العلاج. ومن عملية اجتياح لبنان إلى الانتفاضة الفلسطينية المباركة، التي اندلعت في التاسع من ديسمبر من عام 1987، مروراً بالحرب العراقية الايرانية، تفرد صاحب السمو الشيخ محمد باندفاعه الذي لا يكل في تقديم المساعدات باسم حكومة دبي، ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد علق المحلل المالي، كلينتون جونز، قائلاً: لم يركن أبناء الشيخ راشد خلال الأزمة العاتية في انتظار انفراجها، بل سعوا بكل ما جادت به قرائحهم لتجنب الغرق جراء تلاطم أمواج الأزمات التي ضربت المنطقة، إذ ركزوا جل اهتمامهم وانشغالهم في كيفية ضمان استقرار دبي، فاهتدوا إلى مضاعفة استثماراتهم في أوروبا وأمريكا الشمالية، كما قاموا كذلك، بهدف رفد اقتصاد دبي، بصرف المزيد من الأموال لإنشاء مزيد من مشاريع البنية التحتية، الشيء الذي أدى إلى تثبيت ثقة دبي في نفسها وفي مستقبلها، والذي أسهم بدوره في تحاشي إصابة اقتصاد دبي بالعلل التي كانت تحاصر المنطقة، فانطلقت المؤسسات فيها تستشرف المستقبل، لتصل دبي إلى ما هي عليه اليوم".
ومن انجازات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الرائعة مبادرته بإنشاء شركة طيران جديدة خاصة بدبي. وفي تفاصيل الحدث نقرأ أن سموه استدعى في غرة يناير من عام 1985 موريس فلانجان، المدير العام لسلطة سياحة دبي الوطنية، لقصره في زعبيل، وقال له: "أريد أن أنشئ شركة طيران، كم يتكلف ذلك؟ وكم تستغرق عملية الإنشاء؟". ولأن فلانجان كان يدرك مسبقاً أن صاحب السمو الشيخ محمد ليس من شاكلة الرجال الذين يمهلون في تلقى الإجابة، فإنه رد سريعاً" "عشر ملايين دولار أمريكي".".
ولتحويل الفكرة إلى واقع، باشر سموه في تشكيل فريق عمل يناط به أمر تطوير الفكرة، محيطاً ذلك بسرية تامة، لتلوح في الخامس والعشرين من أكتوبر من العام نفسه أولى طائرات "طيران الإمارات" تحلق في سماء المنطقة لأول مرة، مجسدة طموح سموه لواقع ملموس. وفي العام نفسه أرسى صاحب السمو الشيخ محمد مركزاً صناعياً مهماً في ميناء جبل علي، ليكون ذلك دليلاً آخر على ما قاله موريس فلانجان آنفاً.
وحول ذلك، قال سلطان بن سليم، مدير منطقة جبل علي الحرة (jafza):"إن أهم النقاط التي ركز عليها صاحب السمو الشيخ محمد أثناء متابعته لانشاط منطقة جبل علي الحرة، العمل على جعل الإجراءات بسيطة وسلسة، كما أن سموه شدد على جعل بنية "jafza" التحتية تخضع للمواصفات العالمية، حتى تتمكن من تقديم أفضل الخدمات".
---------------------------------------------------------
محمد بن راشد ( ولي للعهد )
أصدر المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله، في الرابع من يناير من عام 1995 بصفته حاكما لدبي آنذاك قرارين تاريخيين، يعدان بالكثير في المستقبل، أولهما تعيين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد لإمارة دبي، وثانيهما تعيين سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائباً لحاكم إمارة دبي.
وعلق صاحب السمو الشيخ محمد في هذه المناسبة، قائلاً: "لا أعرف فيما إذا كنت قائداً جيداً ام لا، لكن ما أعرفه إنني الآن في مركز قيادي، وعندي رؤية واضحة للمستقبل، تمتد قدماً 20 أو 30 عاماً. لقد اكتسبت هذه الرؤية من والدي، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الذي يعتبر بحق في مقام الوالد لدبي. لقد أطلق المشاريع، ووقف عليها شخصياً، كان يعرف عنه أنه كان يستيقظ باكراً، قاصداً مواقع المشاريع ليشرف عليها شخصياً، وانا أسير على خطاه، أبقى على اطلاع على كل شيء، أذهب للمواقع وأراقب، اقرأ الوجوه، أتخذ القرارات المناسبة، انطلق بخطى سريعة لتطبيق هذه القرارات بحماس وعزيمة عاليين".
فقد أراد المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد، من وراء تعيين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ولي عهد لدبي، ان يوظف "الحماس والعزيمة" اللذين يملكهما صاحب السمو الشيخ محمد لما فيه خدمة ومصلحة الإمارة، ليتابع كل من المغفور له الشيخ مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد وسمو الشيخ حمدان المسيرة التي ابتدأها والدهم؛ المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، معتمدين في مسيرة التطوير والتقدم على النهج والأسس التي وضعها والدهم للنهوض بدبي، وتحويلها إلى مدينة حديثة بكل ما في الكلمة من معنى.
وجاء صاحب السمو الشيخ محمد ليعلن دبي "محط أنظار العالم"، و ليوجد لها مكانا على خارطة السياحة العالمية، الأمر الذي حظي بدعم كبير من سموه. وفي أواخر عام 1995، أعلن سموه عن ولادة مهرجان دبي للتسوق، الذي كان واحداً من أولى مبادراته الكثيرة التي رسخت دوره القيادي كولي عهد، آخذا على كاهله عملية التطوير والتحديث. وكان الهدف من وراء هذا المهرجان السنوي، توظيفه وسيلة للترويج للاقتصاد الإماراتي على المستوى العالمي. إذ بلغت قيمة المبيعات ما يقارب المليار دولار في دورته الأولى. وأراد صاحب السمو الشيخ محمد ان يغني المهرجان بأحداث ونشاطات مثيرة، تستحوذ على ألباب المتابعين، فجاء الحدث الأبرز، وهو الإعلان عن كأس دبي العالمية لسباقات الخيول، الرياضة المفضلة لدى سموه، ليتزامن حفل افتتاح هذه الكأس مع بداية مهرجان دبي للتسويق. ويذكر أن هذه الكأس تعدّ الأغلى في العالم، إذ بلغت قيمة جائزتها الكبرى مليونين وأربعمائة ألف دولار، في حين بلغ مجموع الجوائز أربعة ملايين دولار أمريكي.
تتسارع الخطى، وتتضافر الجهود لتطوير دبي وتحديثها، لتصبح محط أنظار السائحين في العالم. فطالت التوسعة والتحديث مطار دبي الدولي، ليفتتح في الأول من ابريل عام 1998، مبنى الشيخ راشد، الذي يعتبر المرحلة الأولى من خطة وضعتها دبي لتوسعة مطارها الدولي، راصدة مبلغ 540 مليون دولار أمريكي لإتمام هذه الخطة. وفي بقعة أخرى من دبي، برز فندق برج العرب، الذي انشئ على جزيرة اصطناعية تبعد مئة متر عن شاطىء البحر، شامخاً بعلو ينقص ستين متراً فقط عن مبنى Empire State Tower في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، لينافس بعلوه الشاهق أعلى الأبنية في العالم. ويعتبر هذا الفندق من أجرأ المشاريع التي بادر بتبنيها صاحب السمو الشيخ محمد.
وفي كلمة له في اوائل عام 2001، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد عن مشروع النخلة، احدث وأضخم المشاريع السياحية قاطبة، وهو مشروع منتجع يتألف من جزيرتين اصطناعيتين تأخذان شكل نخلة، وتتفرع من كل نخلة 17 سعفة، بالإضافة إلى الجذع، وتحاط كلتا الجزيرتين بكاسر أمواج يأخذ شكلاً هلالياً.
وفي الوقت نفسه، كان سموه يتابع باهتمام بالغ عملية تطوير شركة طيران الإمارات. ففي شهر مايو من عام 2001، أكد سمو الشيخ احمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس طيران الإمارات، أن الشركة تخطط، بناء على توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد، لشراء طائرات من الطراز الكبير، ربما يصل عددها إلى ستين طائرة، بقيمة عشرة مليارات دولار أمريكي. وكانت طيران الإمارات قد وقعت مسبقاً عقداً مع شركة "ايرباس" لتزويدها بسبع طائرات من طراز A 380 ، وبهذا تكون "طيران الإمارات" أول خطوط طيران في العالم تقوم بتوقيع عقد لشراء هذه الطائرة الضخمة التي أثير حولها جدل كبير، والتي تستوعب 555 راكباً، وبدأت هذه الطائرة أولى رحلاتها العام 2006.
ربما كان مشروع تحويل دبي إلى حكومة إلكترونية من أعظم المشاريع وأكثرها جرأة، إذ في العام 1995، ظلت هذه الرؤية محصورة ضمن الطبقة الحاكمة من عائلة آل مكتوم، والمقربين جداً من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.
يقول سموه :
"لقد قمنا في دبي، كمرحلة أولى، بوضع الخطط التي من شأنها ضمان مستلزمات تحقيق التفاعل الإيجابي مع الاقتصاد الجديد، و كانت أهدافنا لا تنحصر في مجال محدد، بل عملنا على التطوير في شتى المجالات، وفي وقت واحد، فهدفنا رفع مستوى الإدراك بأهمية ثقافة المعلومات الجديدة، وتحسين مستوى التعليم، وإعادة النظر في المناهج والوسائل التعليمية، وإطلاق مشاريع تشكل البنية التحتية للاقتصاد الرقمي الجديد، وإطلاق مشروع حكومة دبي الإلكترونية".
وفي التاسع والعشرين من شهر اكتوبر من عام 1999م، عقد صاحب السمو الشيخ محمد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه ما يلي: " سوف نفتتح بعد سنة من اليوم، وفوق هذا الموقع، صرحاً جديداً على مستوى دبي والمستوى العالمي، ألا وهو مدينة دبي للإنترنت". وشرع سموه في شرح تصوره لهذه المدينة والغرض منها، مؤكداً ان هذه المدينة سوف توفر البنية التحتية اللازمة والمناخ والمكان الملائمين لتمكين مشاريع الاقتصاد الجديد من إدارة عملياتها من دبي، وذلك بتقديم خدمات فعالة ومنافسة.
لقد حدد صاحب السمو الشيخ محمد 365 يوماً موعداً لافتتاح مدينة الإنترنت، وكان هذا في حد ذاته تحدياً كبيراً وخطوة جريئة بكل المقاييس، هادفاً من ورائه لإبراز دولة الإمارات كواحدة من الدول التي تتسم بتسارع تنامي صناعتها. ومع حلول سبتمبر من عام 2000، حصل أكثر من مئة شركة تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات على ترخيص، لتتخذ من مدينة دبي للإنترنت مركزاً لإدارة عملياتها، وكان من ضمن هذه الشركات، شركات عملاقة، مثل مايكروسوفت، اوراكل، كومباك. وكان هناك حوالي 350 شركة أخرى تنتظر الحصول على الموافقة. وقدر مجموع الاستثمارات للشركات المرخص لها بحوالي 700 مليون دولار أمريكي.
كان صاحب السمو الشيخ محمد على يقين تام بأن التطوير يجب أن يتخطى قطاع الأعمال، ليشمل قطاعات أخرى، وذلك إذا أرادت دبي مواكبة التطور الحادث في العالم، فجاءت مبادرة سموه في الحادي عشر من مايو 1999، في كلمة ألقاها في جائزة دبي للجودة، و بحضور حشد غفير من كبار المسؤولين، قال فيها: "بعد ثمانية عشر شهراً من الليلة، سوف تتحول حكومة دبي بشكل كامل إلى حكومة إلكترونية، الأمر الذي ستنتج عنه زيادة الفاعلية، وتسريع وتسهيل الإجراءات الحكومية. فأنا أريد أن أرى تقديم طلبات الفيزا، بالإضافة إلى الإجراءات الأخرى المرافقة، تجرى من خلال شبكة الإنترنت، كما أريد أن أرى تواصل الدوائر الحكومية فيما بينها الكترونياً".
يذكر أن المبادرة أنجزت في الوقت المحدد لها مسبقاً، فكانت أول حكومة إلكترونية كاملة في العالم.
----------------------------------------------------------
محمـــد بـن راشـــد آل مكتـــــوم
( نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي )
في الرابع من يناير عام 2006، تولى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولاية الحكم في إمارة دبي، بعد رحيل أخيه الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم بتاريخ 4 يناير2006.
وقد انتخب أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات في الخامس من يناير 2006 الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائباً لرئيس الدولة، ووافقوا على اقتراح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بتكليف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد رئاسة مجلس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة.
وأدى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وأعضاء حكومته الجديدة، في 11 يناير 2006 اليمين الدستورية أمام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، في قصر البطين بأبوظبي